السياسيةالمشهد العراقيعربية ودولية

“نار الفُرس ولهيب تل أبيب: إلى أين تقود الحرب الإسرائيلية الإيرانية؟”

بقلم عدنان العابد

إيران تختار النزيف بصبر، بينما إسرائيل تقترب من لحظة الصراخ.

في مشهدٍ تتصاعد فيه ألسنة اللهب من قلب الشرق الأوسط، تشتعل مواجهة ساخنة بين إسرائيل وإيران. لكن، هل تقود هذه الحرب إلى استسلام إيراني وولادة شرق أوسط جديد تحت الراية الصهيونية؟ أم أنها ستغرق الجميع، من تل أبيب حتى واشنطن، في مستنقع لا قاع له..؟

ما تقوم به إسرائيل من قصف مكثّف واستهداف للبنية التحتية الإيرانية لا يبدو أنه سيحقق هدفه الاستراتيجي المعلن: إجبار طهران على الركوع والقبول بالشروط الغربية. ذلك لأن إيران، بخلفيتها العقائدية وتركيبتها السياسية والعسكرية، ليست هدفًا سهل الانكسار. إنها دولة معتادة على الحصار، متمرسة في فنون البقاء، وقد بنت ترسانة موزعة بين الداخل والخارج، تكفي لردع خصومها في أصعب الظروف.. لقد أدركت اسرئيل اخيرا أن الحرب على ايران ليست بالنزهة

لقد خَبِرت إيران أهوال الحرب منذ ثمانينيات القرن الماضي، وخاضت واحدة من أطول الحروب في العصر الحديث ضد العراق، ما منحها خبرة عسكرية عميقة، وجعل من جيشها وميليشياتها الإقليمية قوة ضاربة لا يستهان بها. ومن يظن أن الطائرات وحدها تحسم المعارك، يجهل أن إيران تتقن فن “النَفَس الطويل”، وتؤمن بمبدأ “المبلل لا يخشى المطر”.

طهران اليوم ليست كما كانت بالأمس. مفاعلاتها النووية لم تعد مشروعًا طموحًا، بل ورقة ضغط حقيقية في يدها ،وهي تعلم أن عرض هذه الورقة على طاولة التفاوض، وسط نيران الحرب، قد يضمن لها مكاسب تفاوضية كبرى، وعلى رأسها رفع الحصار، والانضمام للنظام الاقتصادي الدولي، بل وانتزاع دورٍ استراتيجي في الشرق الأوسط الجديد.

في الجانب الآخر، يبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كمن يصارع الغرق في دوامة داخلية وخارجية. فهو يسعى إلى تحويل الأنظار عن أزماته السياسية، عبر فتح جبهة نارية مع طهران. لكن الحسابات الإسرائيلية لا تبدو دقيقة، فإطالة أمد الحرب قد يشل الاقتصاد الإسرائيلي، ويشعل احتجاجات داخلية تنفجر في وجه الحكومة الاسرائيلة كالبركان الخامد الذي قد يثور في أي لحظة.. من جانب آخر

الولايات المتحدة، رغم دعمها الضمني لإسرائيل، تبدو مترددة في الانخراط بحرب شاملة مع إيران. المصالح الاستراتيجية الأمريكية في الخليج، وحسابات الطاقة، وممرات الملاحة، كلها تجعل من الحرب مخاطرة غير محسوبة. أما أوروبا، فقد بدأت فعليًا بالتحرك نحو التهدئة، خوفًا من كارثة اقتصادية في حال إغلاق مضيق هرمز أو تصعيد أكبر مما قد يشل الإقتصاد العالمي

ومع دخول أطراف دولية مثل بريطانيا إلى جانب إسرائيل، وتصريحات داعمة من باكستان لطهران، بدأت الحرب تأخذ طابعًا إقليميًا وربما عالميًا. وهنا، تبدو مبادرات الوساطة حتمية. كزيارة مفاجئة للعاهل السعودي إلى طهران في هذا الظرف الحرج قد تكون نقطة تحوّل، وربما لحظة كسر الجمود، والوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف ..

ورغم الدمار والخسائر المتزايدة، إلا أن الصورة العامة بدأت تتضح: إيران تتجه نحو نصر تفاوضي، حتى لو دفعت ثمنه من قياداتها وبعض أذرعها الإقليمية. أما إسرائيل، فتبدو عاجزة عن تحمل حرب طويلة المدى، وشعبها بات أقرب إلى الانفجار الداخلي من أي وقت مضى نتيجة سياسة وتهور نتن ياهو ساعيا لحفظ سياسته وحزبه بالمنطقة

في نهاية المطاف، قد يجد نتنياهو نفسه وحيدًا في مواجهة الداخل والخارج، يُحاسب على “تهوره الوجودي”، وتهوره السلطوي بينما تُفرض عليه شروط التفاوض الإيراني، لا العكس وهذا ماستكشفه لنا قابل الايام

الحرب لاتحسم دائمًا بين رابح وخاسر، أحيانًا، تكون بين من ينزف بصمت، ومن يصرخ أولًا.. وفي هذا المشهد المحتدم، يبدو أن إيران تختار النزيف بصبر، بينما إسرائيل تقترب من لحظة الصراخ.

ننتظر ونرتقب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى